يصغر على عكس العادة، يضيق، يتشقلب، ينحصر، يختفي هواءه وماءه وحتى التراب، لا شيء يحافظ على مكانه، كل الكلام كذب وكل الوعود زائفة، وكل الامنيات والاحلام دخلت عالم المستحيلات السبع كحال عجائب الدينا.
تعب يفوق التعب نفسه، وصراخ وأنين ودم، وروائح تشبه القبور، تنتشر كالدخان، تستوطن في الانوف الصغير منها والكبير، أصوات تختفي وتاتي أخرى، أزيز وفحيح وحفيف، ملك الموت يأتي ويذهب ثم يأتي مرة اخرى ويذهب، فالكل هالك لا محاله.
البرد يخترق الاوصال يمزقها، يستوطن في العقول، يبني لنفسه صرحا عظيم لا تتمكن الشمس من اختراقه، والظلم يصول ويجول، يضحك، قهقهاته تستفز المقهورين وتطرب المغازلين، يفرشون له الحرير ليجليس بينهم، يعانقونه، يقبلون يديه كلما سنحت لهم الفرصة بذلك، يقترب من القتلى والجرحى: هيا قبلوا الايادي أيضا، فيبصقون.
أرواح القتلى تنطلق وكانها افاقت من نوم عميق، تنزع عن نفسها لباس الصمت، تزأر، يخاف الظلم، تطارده، يرتعد خوفا ويفر من امامها هاربا، تلحق به، يختبىء، لكن الارواح تعرف ما لا يعرفه، تعثر عليه، يذهب للنوم عله يتخلص من ملاحقتها، تتبعه حتى الحلم، فيصير كابوسا، تقض مضجعه "أرحموني" انت لم ترحمنا...تظل تكارده حتى انتهاء اجله وتستمر أيضا تطارده...